أسرتي صامتةٌ .. لكني أعشق حديثها! |
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من يقرأ هذا العنوان يظن أنني سأتحدث - من وجهةٍ نفسيةٍ - عن حالة الصمت الأسري وكيفية علاجها .... لكني الآن سأخلع عني عباءة الطب النفسي ولو أنها ليست بالعباءة بالنسبة لي، بل إنَّ مهنتي متجذّرةٌ بالحب في داخل عقلي وقلبي وروحي، بل دعوني أقل بأني لن أتحدث بصبغة المتخصص النفسي، وخاصةً أنني أعرّف أسرتي واصفاً لها ولصمت حديثها!. أسرتي يا أحبتي ميزتها الصمت ، والميزة الأكثر غرابةً فيها هي أنها لا تلتقي سوى عشر دقائق يومياً وحسب .. نعم عشر دقائق أو أقل .. وخلالها لا يتحدّث إلا أكبر أفرادها قدراً ويظل الباقون صامتين، ويتفرّقون وهم صامتون .. ولكنهم مع هذا في قمة سرورهم .. وأرواحهم تخفق بين ضلوعهم فرحاً ونشوةً بهذه العائلة .. الصامتة !!... ولا تتخيل أيها القارئ مدى حبنا لبعض!!.. ذلك الحب الهادئ الرقيق النقي الذي تنتعش فيه الروح وتحلّق في فضاءاتٍ رحبة..!! وقد لا يعلم بعضنا حتى أسماء بعضنا الآخر !! حديث أسرتي: أما حديثها فهو أجمل الأحاديث على الإطلاق، يخالطه الصمت وينتهي بالابتسام.. فأنا مع أسرتي نتفيؤ ظلال كلامٍ ما بعده كلام .. وبيانٍ ما بعده بيان .. ومن عظم جمال ما نسمع نلتزم الصمت طريقاً ربيعياً نضعه أمام خير الكلام وأحسن الحديث ليسير فيه .. بعدها نعبّر عن حبنا لبعضنا بالابتسام وحسب ! وأيُّ ابتسامةٍ تلك التي يحملها ثغرنا !! ما أروعها وما أرقاها وما أنقاها من ابتسامةٍ لما تعلو المحيّا !! كم تحمل من معانٍ آتيةٍ من خبيئة قلوبهم النقية ونفوسهم الشفافة البعيدة عن كل مصلحةٍ دنيويةٍ صغيرةٍ! يحيّون بعضهم بها ثم تتبعها كلمات السلام !! السلام عليكم .. معلنين انتهاء لقائهم المبارك المشهود .. كم وكم أشتاق لتلك الخطوات في الظلمة، لما نمشيها أنا وأخيَّ لمكان اجتماعنا الأسري؟! ونحن نستمع بجلالٍ لجمال الصمت بين جدران حيّنا ؟! ولا تتخيل - أيها القارئ الفاضل - كم يشعر أفراد أسرتي بالفقد لمّا يتغيّب أحدنا عن هذا اللقاء القصير الممتع !! نتساءل كلنا: أين هو ؟ لمَ لمْ يأتي ؟! هل هو مريض ؟! هل حجزه النوم عن لقائنا الصامت ؟! فلقاؤنا فعلاً خير من النوم، كما ينادي دائماً أحد إخوتنا، وهل نجح عدو أسرتنا أن يحرمه بوسوسته شهود تلك اللحظات النقية الرائعة ضمن أحضان أسرتنا المباركة ؟! هل عرفت أيها القارئ الفاضل أسرتي ؟! وهل سمعت مرةً صمت حديثها ؟! أسرتي هي أخوة في الله اجتمعت على صلاة الفجر في مسجد الحي، لا لشيء من حطام الدنيا، تستمع وتستمتع بكلمات أعذب البيان آي القرآن على مائدة الرحمن، يستمعون للإمام ومعهم ملائكةٌ من نور حاضرون شاهدون، لخمس أو عشر دقائق ثم يتفرّقون، تعلو وجوههم ابتسامةٌ آتيةٌ من أعماق نفوسهم المستبشرة بقبول ربهم لهم في واسع رحمته، سائلين الله من فضله.. وما أجمل لغة الصمت ودحرجة الدمع لمّا يعجز الكلام عن حمل تلك المعاني المكثّفة من لقائنا هذا!! ... صوتٌ مع الفجر حلو الصدى يسري .. ينساب كالطهرِ.. أصفى من القَطْرِ .. يدعو إلى الذكر والفوز والأجرِ .. قال تعالى: (( أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً )) الإسراء / 78. وفي التفسير ( مشهوداً ) بحضور ملائكة الليل وملائكة النهار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الْمَشَّاءُونَ إِلَى الْمَسَاجِدِ فِي الظُّلَمِ أُولَئِكَ الْخَوَّاضُونَ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ )) ابن ماجة. جعلكم الله وإياي بارين بهذه الأسرة الصامتة .. أهدي هذه الخاطرة لكل أخٍ مشى معي تلك الخطوات أو شاركني تلك اللحظات أو بادلني تلك البسمات.. وأنت .. لمن تهديها ؟! خطتها يديَّ بالأصالة عن عقلي وقلبي وروحي د/ ملهم زهير الحراكي اختصاصي في الطب النفسي والعلاج النفسي للأطفال والمراهقين موقع لاهم هوم للاستشارات التربوية والزوجية www.laham-home.com البريد الإلكتروني: drheraki@hotmail.com |
الاثنين، 2 أغسطس 2010
أسرتي صامتةٌ .. لكني أعشق حديثها!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق