القرآن الكريم هو كلام الله المبين، وكتابه المعجز، وتنزيله المحفوظ، جعله الله شفاء للصدور من أمراض الشبهات والشهوات، وشفاء للأبدان من الأسقام والأدواء، والعلل والمدلهمات، وجعله كذلك فرقانًا بين الحلال والحرام، والحق والباطل، وبين طريق السعداء وطريق الأشقياء.
التحدي بالقرآن:
- القرآن هو المعجزة الخالدة إلى قيام الساعة، تحدى الله به خلقه أجمعين من الإنس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الأسراء: 88].
- ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا: {قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[هود: 13].
- ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة فعجزوا: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23].
- فهو كتاب مبارك فيه الخير الكثير، والعلم الغزير، والأسرار البديعة، والمطالب الرفيعة، فكل بركة وسعادة تنال في الدنيا والآخرة فسببها الاهتداء به واتباعه، وكل شقاء وغم وضيق في الدنيا والآخرة فسببه هجر القرآن، وترك التحاكم إليه.
حديث القرآن عن القرآن:
- القرآن شفاء و رحمة: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء و َرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً} [الأسراء: 82].
- والقرآن هداية ونور: {يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [المائدة: 16].
- والقرآن بشرى بعظيم الأجر: {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً}[الإسراء: 9].
- والقرآن حكمة:{ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ و َالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 58].
- القرآن ذكرى و موعظة: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ}[ق: 45]،
وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى و َرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57].
وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى و َرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57].
- القرآن روح وحياة: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52].
- وفي القرآن علم كل شيء وبيانه: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ} [الكهف: 54]، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89].
- وأقسم سبحانه بالقرآن، ووصفه بالمجيد: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1]، وأمر سبحانه بتدبر القرآن، ووصف من لا يتدبره بأنه مظلم القلب، أعمى البصيرة: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24].
كل ذلك يبين شأن هذا الكتاب العظيم، وفضل الاعتناء به، تلاوة وحفظًا وتدبرًا وفقهًا ومدراسةً، فهل من مشمر؟
إخواني، أين حفظة القرآن؟ أين شباب الإيمان؟ أين أهل التقوى والإحسان؟!
مكانة القرآن في الكتاب والسنة
* فضل تعلم القرآن وتعليمه:
يقول تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43].
وقال صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» [رواه البخاري].
* فضل تلاوة القرآن:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [فاطر: 29].
وقال صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه» [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به، مع السفرة الكرام البررة، والذى يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران» [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول آلم حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»[رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب» [رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح].
آداب تلاوة القرآن:
1- أن يخلص القارئ النية لله سبحانه وتعالى في كل عمله يعمله، ومن ذلك تلاوة القرآن.
2- أن يقرأ بفهم وتدبر، وقلب حاضر، غير غافل ولا لاهٍ.
3- أن يتطهر، ويستاك قبل قراءة القرآن.
4- ألا يقرأ القرآن في الأماكن المستقذرة كدورات المياه، ولا يقرأ القرآن وهو جنب.
5- أن يستعيذ القارئ بالله العظيم من الشيطان الرجيم عند بدء القراءة.
6- أن يقرأ البسملة في بداية كل سورة ما عدا سورة التوبة.
7- أن يحسن صوته بالقرآن ما استطاع، وأن يقرأ بحزن وخشوع وبكاء.
8- أن يسجد كلما مر بآية فيها سجدة.
9- أن يمسك عن القراءة عند خروج الريح وعند التثاؤب، وعند غلبة النعاس.
10- أن يقرأ بترتيل القرآن مع الالتزام بأحكام التجويد ما أمكن.
11- أن يقرأ بنية العمل به، وأن يتصور أن الله سبحانه يخاطبه بهذا الكلام.
12- يستحب للقارئ إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله من النار ويسأله العافية.
حالنا مع القرآن:
أخي الكريم: إذا تأملنا حالنا مع القرآن وجدنا أننا بعيدون كل البعد عن هدي القرآن وتعاليمه، فكثير من الناس لا يقرأون القرآن بالكلية، وبعضهم لا يقرأه إلا في الصلوات، وبعضهم لا يقرأه إلا مضطرًا، وبعضهم يقرأه ولكن دون فهم أو تدبر، وبعضهم يقرأه ولا يعمل به، بل هناك من يكذب ببعض آيات القرآن، ويصد عنها، أو يصف بعض الأحكام القرآنية بأنها لا تناسب العصر الذي نعيشه، وهذا من الكفر البين وسلوك غير سبيل المؤمنين.
* أنواع هجر القرآن:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "هجر القرآن أنواع:
أحدها: هجر سماعه، والإيمان به، والإصغاء إليه.
الثاني: هجر العمل به، والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به.
الثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه.
الرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم منه.
الخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به، في جميع أمراض القلوب وأداوائها.
وكل هذا داخل فى قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان: 30].
وإن كان بعض الهجر أهون من بعض.
* أسباب هجر القرآن:
1- عدم الإيمان، والتكذيب به في الباطن، ولن لم يصرح بذلك.
2- الجهل بمعانيه وأوجه إعجازه.
3- الانهماك في الدنيا، والغفلة عن الآخرة.
4- سماع الغناء والمعازف.
5- طول الأمل، والتسويف بالطاعات، منها تلاوة القرآن.
6- التكبر عن تعلم تلاوة القرآن، فيهجره حتى لا يقال: لا يحسن القراءة.
7- الانشغال عنه بغيره،كهجر بعض طلبة الحديث للقرآن، زاعمين إنهم يحييون السنة، والحق أن السنة لا تحيا إلا بالقرآن.
القرآن في شهر رمضان:
نزل القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: 185].
ولذلك كانت تلاوة القرآن ومدارسته في رمضان من أعظم القربات التي يتقرب بها الصالحون إلى الله سبحانه في هذا الشهر.
ففي الصحيحين، عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، و كان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن..." الحديث.
وقد استدل العلماء بهذا الحديث على فضل تلاوة القرآن في شهر رمضان، واستحباب ذلك ليلًا، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما في قوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ يَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل: 6].
السلف والقرآن فى رمضان:
- كان السلف يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان، في الصلاة وفي غير الصلاة، وكان بعضهم يختم القرآن في قيام ثلاث ليالي من رمضان، وبعضهم في سبع ليالي، وبعضهم في عشر، وكان قتادة يختم القرآن كل سبع ليالي، أما في رمضان فكان يختمه كل ثلاث ليالي، وفي العشر الأواخر فكان يختم القرآن كل ليلة، وكان الأسود يختم القرآن كل ليلتين من ليالي رمضان، وقد روي عن الشافعي وأبي حنيفة أكثر من ذلك، وليس بمستغرب عن سلفنا الصالح فقد كانوا يتلذذون بالطاعة كما يتلذذ غيرهم بالطعام والشراب والنكاح وغيره من شهوات الدنيا ولذتها.
- وكان الزهري إذا دخل رمضان، قال: "فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام".
- قال ابن عبد الحكم: "كان ملك إذا دخل رمضان، ترك قراءة الحديث، ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف".
- وقال عبدالرزاق: "كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة، وأقبل على تلاوة القرآن".
- قال الحافظ بن حجر: "وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصًا الليالي التي تطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة المكرمة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتنامًا للزمان والمكان".
- قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس ينامون، وبنهاره إذا الناس يفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون".
فاللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك برحمتك يا أرحم الراحمين.. آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق