الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى
آله وصحبه، أما بعـد فإن التلاوة معناها القراءة عموماً، وأما الترتيل فهو مرتبة من مراتب تلاوة القرآن الثلاثة المعروفة عند علماء التجويد وهي - بعد الترتيل -: الحدر، والتدوير، فالترتيل في اصطلاح القراء هو قراءة القرآن على مكث وتفهم من غير عجلة، وهو أفضل مراتب التلاوة، لأن القرآن نزل به، كما قال تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ (الإسراء:106)، وقال تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (المزمل:4).وقد فسر علي رضي الله عنه الترتيل: بأنه تجويد الحروف ومعرفة الوقوف، ومعنى تجويد الحروف إخراجها من مخارجها، وإعطاؤها صفاتها من التفخيم والترقيق...
وأما المرتبة الثانية من تلاوة القرآن فهي الحدر، وهو إدراج القراءة وسرعتها مع المحافظة على أحكام التجويد، ويجب الحذر من بتر الحروف وذهاب الغنة والمد.
وأما المرتبة الثالثة من مراتب تلاوة القرآن فهي التدوير، وهي حالة متوسطة بين الترتيل والحدر، ولقارئ القرآن الكريم أن يختار من هذه المراتب الثلاثة ما يناسب حاله أو يوافق طبعه ويخف على لسانه، ولا تجوز تلاوة القرآن بالهذرمة التي تبتر الحروف وتخل بمخارجها وتذهب بالغنة والمد...
وتأتي تلاوة القرآن بمعنى اتباعه، ومنه قول الله تبارك وتعالى:“ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" (البقرة:121)، وفي تفسير الطبري وابن كثير عن ابن مسعود أنه قال: والذي نفسي بيده؛ إن حق تلاوته أن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله عز وجل، ولا يحرفه عن مواضعه، ولا يتأول شيئاً منه على غير تأويله. ومثله رووه عن قتادة.
وعلى هذا، فالتلاوة لفظ عام يشمل القراءة -كما ذكرنا- ويشمل الاتباع. أما الترتيل فهو مرتبة من مراتب التلاوة وهو أفضلها، وبهذا تعلم الفرق بين التلاوة والترتيل.
اقرأ القرآن كما أنزله الله فإذا كانت هذه السرعة في القراءة تقتضي إخلالاً بحيث تسقط بعض الحروف أو تذهب بعض صفات الحروف الواجبة أو كان القارئ لا يعطي الحروف حقها ومستحقها مما قد ينشأ عنه إبدال حرف بحرف مثلاً، ففاعل هذا آثم لأنه لم يقرأ القرآن كما أنزله الله، وانظر لذلك الفتوى رقم: .
وأما إذا كان يعطي الحروف حقها ومستحقها ويخرجها من مخارجها فقراءته صحيحة، ولكنه خالف الأولى والأكمل، فإن الأولى والأفضل أن يترسل القارئ في قراءته ويتمهل ليكون أعون له على الفهم والتدبر، قال الله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا {المزمل:4}. وقال ابن جرير: يقول جل ثناؤه: وبين القرآن إذا قرأته تبييناً، وترسل فيه ترسلاً.وقال ابن كثير: أي: اقرأه على تمهل، فإنه يكون عوناً على فهم القرآن وتدبره. وعن قتادة قال: سئل أنس كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: كانت مداً، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمد ببسم الله، ويمد الرحمن ويمد الرحيم. قال أبو بكر الآجري: ثم ينبغي لمن قرأ القرآن أن يرتل كما قال الله عز وجل: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا. قيل في التفسير: تبينه تبييناً، واعلم أنه إذا رتله وبينه انتفع به من يسمعه منه، وانتفع هو بذلك، لأنه قرأه كما أمر الله عز وجل في قوله تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً. على تؤدة.
وعن أبي وائل قال: جاء رجل يقال له نهيك بن سنان إلى عبد الله فقال: يا أبا عبد الرحمن كيف يقرأ هذا الحرف، ألفاً تجده أم ياء: من ماء غير آسن أو من ماء غير ياسن، فقال عبد الله: وكل القرآن قد أحصيت غير هذا؟ قال: إني لأقرأ المفصل في ركعة، فقال عبد الله: هذَّاً كهذِّ الشعر؟ إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع.. الحديث. رواه مسلم في صحيحه.
قال ابن كثير: وفيه دليل على استحباب ترتيل القراءة والترسل فيها من غير هذرمة ولا بسرعة مفرطة، بل بتأمل وتفكر، قال الله تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ.والله تعالى أعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق