الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

حورا مع عانس


قالت ( أنه ليحزنني كثيرأ أن أذهب إلى حفلة زفاف وذلك لأن قطار الزواج بدأ يفوتني , ولم يتقدم إلى أحد حتى الآن وكم كنت أتمنى لو أنني كنت أنا الجالسة مكان العروس ,ولكن لا حيلة لي ) .

كما أنني أتضايق كثيراً عندما تتحدث صديقاتي وأهلي أمامي عن الزواج والأولاد , وأنا امرأة لي عواطفي ومشاعري , وأحب أن يكون لي بيت وأولاد , ولكن مرة أخرى لا حيلة لي .لقد مللت الحياة وتعبت من مجاملات الناس ...هذا ما قالته إحدى العوانس من النساء , وأنا أسمعها وهي تتحدث بهذه الكلمات بنبرة حزن وأسى , قلت : يا أختي الكريمة أيمكنك أن تعدي نعم الله التي أنعمها عليكِ ؟
قالت : ولكنها لا تحصى ولاتُعد !

قلت : فَلِمَ الحزن إذن ؟ إن كلامك هذا فيه جانب كبير من الصحة ولكن هل تنتهي الحياة إذا لم تتزوجي أو لم يتقدم إليك أحد ؟!صحيح أن العنوسة رمز الوحدة والفراغ , ولكن الله تعالى منحنا قدرات وإمكانات لو استثمرناها لجعلنا من الألم سعادة .
إن الإنسان المتفائل والإيجابي هو من يصنع السعادة بيده , ولقد سمعت مرة رجلاً يقول : إن السعادة في الزوجة والأولاد والحصول على المال , ومرت الأيام وتزوج صاحبنا وخلف الأولاد وازداد رصيده في البنك وما زال يقول أين السعادة ؟! ويبحث عنها .
أختى الكريمة لنتعلم كيف نحول الألم إلى سعادة , إن من يعمل الريجيم يحرم نفسه من الطعام وهو يتألم من ذلك , ولكن الذي يقلب له الألم إلى سعادة , طموحه إلى تخفيف وزنه وتخيله لصورة نفسه وهو رشيق , وكذلك الصائم يكون عنده الألم سعادة عندما يتذكر الأجر العظيم والثواب الجزيل , فكل واحد لديه طريقة خاصة في التخلص من الألم والشعور بالسعادة , وبعض الناس أخطأ الطريق , فتجدينه عند شعوره بالحزن والألم يدخن سيجارة أو يتعاطى المريجوانا , أو يُسرف في الطعام أو يُسيء إلى الآخرين , وبعضهم يعرف كيف يستثمر وقته ويجعل من ألمه سعادة , فيمارس الرياضة أو يتعلم الجديد , أو يكثر من الإطلاع والقراءة أو يقوي علاقته بربه ويحرص على حفظ القرآن أو يوظف نفسه في الخير ويساعد الأخرين , ولنا في مريم ابنة عمران – رضوان الله عليها – أسوة حسنة حين نذرت نفسها لله , ويمكنك أن تنذري نفسكِ لله تعالى .
وأنا أسألك الآن : ما الطريق التي تتبعينها لتتفادي الألم والاستعاضة عنه بالسعادة ؟ أمسكي بالقلم والورقة واكتبي ما الأسباب التي تجعلك سعيدة . 
افعلى ذلك لكي تخططي لحياتك الآن وتتعاملي مع الواقع بنفسية إيجابية ومرنة . ثم إنه من قال لكِ إن كل المتزوجات سعيدات ؟ ومن أخبرك بأن العنوسة مشكلة ومأساة ؟ هل هي الصُحفوالمجلات ؟ أو التجارب والواقع ؟ أنا في الحقيقة لا أرى العنوسة مشكلة , كما أنني لا أرى الزواج سعادة , فكم من عانس سعيدة ؟ وكم من متزوجة شقية , ولكني أرى السعادة في الرضى بالقدر , وأن أتعامل مع القدر بنفسية إيجابية .
لعل من أسباب شعورك بالألم هو الفراغ , فلو استطعت أن تحددي هدفك في الحياة , وأن تجيبي عن هذه الأسئلة : ما الذي حققتيه في الحياة ؟ وما الهدف الذي تقدمينه لمجتمعك ؟ وما هدفك لنفسك ؟ لو استطعتِ أن تحددي إضافتك إلى الحياة ثم أن تجدولي وقتك لتحقيق هذه الأهداف فإنك ستنسين حينها أنكِ عانس , وستوجهين طاقتك إلى ما فيه خير لكِ في الدنيا والآخرة .
أعرف عانساً في الخليج كانت وراء تأسيس وقف للاهتمام بالمرأة والطفل , وأعرف أخرى كانت وراء تأسيس جمعية خيرية فريدة لتأهيل الأطفال , وأعرف ثالثة كان لديها دور اجتماعي بارز , وكانت متميزة بنشاطها وقت احتلال الكويت , وكذلك الشيخ ابن تيمية – رحمه الله - , والشهيد سيد قطب كانا عزبين , فلم يقف أحدهما ويقول : كلما سمعت عن متزوج أو عن عرس أحزنني ذلك , بل كانا طاقات متفجرة أنجزا أعمالاً جبارة وخدما الدين وهما متفائلين كانا يستخدمان مورادهما الإنسانية في تحقيق أهدافهماوطموحاتهما .
وأقول لك أختي الكريمة إنني أعرف ما يدور في نفسك الآن ؟! تقولين إنه يتكلم معي كلاماً لا أختلف معه عليه , ولكنه تجاهل الحاجات النفسية والفطرية التي تطلبها المرأة في عصر كثرت فيه الفتن وقل فيه الصالحون , وأنا أقول لكِ : لا , لم أتجاهل ولم أنس , وإن ما ذكرته صحيح وواقع , ولكن الذي يجعل الإنسان يعاني من ذلك هو الفراغ والصحبة السيئة , فإذا استطعتِ أن تملأي وقتكِ بما هو مفيد واخترتِصحبة صالحة , فعندها ستخف المعاناة عنك . ثم أكثري من الدعاء بأن يحفظك الله ويرعاكِ , فهو الغني ونحن الفقراْ , كما أنصحكِ بالابتعاد عن أماكن الريبة والفساد لتحافظي على طهارتك النفسية والفطرية .
والآن وبعد هذه الجولة النقاشية أريد منكِ إذا ذهبتِ إلى حفل زفاف أن تقولي عسى الله أن يبارك في العروس والحمد لله على كل حال .
بقلم أ. جاسم محمد المطوع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق